أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في 23 أكتوبر أن كندا ستقلل “بشكل كبير” من عدد المهاجرين الجدد.
وصرح عن ذلك بعد أن تعرض لانتقادات شديدة بسبب خطته للسماح بدخول 500 ألف مقيم دائم جديد في كل من العامين المقبلين، وقال المنتقدون إن مثل هذا الدخول الواسع النطاق لن يؤدي إلا إلى تفاقم أزمة الإسكان والمرافق المدنية المستمرة في البلاد.
وحدد ترودو الآن أهدافا جديدة للهجرة، فبالنسبة لعام 2025 سيكون الحد الأقصى 395 ألف مقيم دائم جديد؛ وبالنسبة لعام 2026 سيكون 380 ألفا وبالنسبة لعام 2027 سيكون 365 ألفا.
وقال رئيس الوزراء: “الهجرة ضرورية لمستقبل كندا، ولكن يجب السيطرة عليها وأن تكون مستدامة”.
وليس من المستغرب أن يحظى موقف ترودو الحالي بدعم من دونالد ترامب، المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما كان يدافع عن فرض ضوابط حدودية أكثر صرامة في الولايات المتحدة “حتى جاستن ترودو يريد إغلاق حدود كندا”.
ويواجه ترودو حاليا أزمة سياسية في الداخل والخارج، فلقد دخل في مأزق مع الهند بشأن مزاعم بأن الحكومة الهندية كانت وراء مقتل أحد السيخ الكنديين على الأراضي الكندية في يونيو 2023، وقد أدى الخلاف إلى طرد كبار الدبلوماسيين الهنود والكنديين، يمكن أن يؤدي الخلاف إلى تعطيل التجارة الهندية الكندية وتدفق ملايين الدولارات من الطلاب الهنود الذين يدفعون الرسوم في الجامعات الكندية.
ويتعرض ترودو أيضا لضغوط من المحافظين المعارضين وكذلك زملائه داخل حزبه الليبرالي.
ولكن في محاولة للتصالح مع منتقديه بشأن الهجرة، قال ترودو إن السيطرة على الهجرة ستسمح للمواطنين الحاليين بالحصول على وظائف، وأشار إلى أن ما يحدث الآن هو أن أصحاب العمل يوظفون المهاجرين بأجور منخفضة، ويحرمون السكان المحليين من الوظائف.
تجميد النمو السكاني
كما قال ترودو المحاصر أن حكومته ستجمد النمو السكاني على مدى العامين المقبلين.
فقد بلغ عدد سكان كندا 41 مليونا في أبريل، وكان 37.5 مليونا في عام 2019، ومنذ عام 2019، ارتفع النمو السكاني في كندا بنحو 1.1 مليون، أو بنسبة 35% أكثر مما يمكن أن تستوعبه مرافق الإسكان الحالية، كما تجاوزت الزيادة السكانية احتياجات القوى العاملة بما يتراوح بين 200 ألف و700 ألف، أو ما بين خمسة و20%.
وكان النمو السكاني في كندا في عام 2023 يرجع إلى حد كبير إلى الهجرة، حيث يشكل المقيمون المؤقتون – بما في ذلك العمال الأجانب والطلاب الدوليون – أكبر نسبة من الوافدين الجدد.
المهاجرون كانوا مفيدين أيضا
لا يمكن إنكار أن المهاجرين كانوا قيمين جدا لكندا، وفي إشارة إلى الجوانب الإيجابية للهجرة، نُقل عن ماتي سيمياتيكي، أستاذ التخطيط في جامعة تورنتو، قوله: “نحن بحاجة إلى أشخاص يأتون إلى كندا للمساعدة في اقتصادنا، وهناك العديد من الوظائف والمهن التي توجد بها شواغر، ويجلب المهاجرون الإبداع والموارد والثقافة إلى كندا”.
ويُعتمد على الوافدين الجدد للمساعدة في مواكبة الشيخوخة السكانية في كندا وانخفاض معدلات الخصوبة، فمع تقدم القوى العاملة المحلية في السن، تنخفض معدلات المشاركة في العمل، وبالنسبة للأشخاص المولودين في كندا، انخفض معدل المشاركة في العمل بنحو 3% منذ عام 2015، ويملأ المهاجرون الفجوات التي خلقتها قوة العمل المتقدمة في السن.
التحديات
لكن التدفق من الخارج يمثل أيضا تحديات لبلد يكافح لبناء المنازل والبنية الأساسية اللازمة لجميع الكنديين بما في ذلك المهاجرين، وأوضح وزير الهجرة مارك ميلر أن انخفاض أعداد المهاجرين سيساعد في الحد من نقص الإسكان في البلاد.
وأشار روبرت كافسيتش، كبير الاقتصاديين ومدير أسواق رأس المال في بنك مونتريال، إلى أن الهجرة تشكل صدمة كبيرة للغاية للاقتصاد بسبب الأعداد الهائلة القادمة إلى البلاد في فترة زمنية قصيرة.
وفي ديسمبر 2023، كتب كافسيتش في مذكرة أن كندا بحاجة إلى بناء 170 ألف وحدة سكنية جديدة كل ثلاثة أشهر لمواكبة النمو السكاني، ولكن صناعة الإسكان تكافح لإكمال 220 ألف وحدة في عام كامل.
قضايا أخرى
قال نيلسون وايزمان، أستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة تورنتو، إن الخلل في النظام ليس الهجرة بحد ذاتها ولكن فشل الحكومة في توفير احتياجات السكان، سواء كانوا من السكان المحليين أو المهاجرين.
وأشار وايزمان إلى أن “الحكومة الفيدرالية ليس لديها سيطرة كبيرة على تلبية احتياجات السكن والصحة والتعليم وغيرها من احتياجات الرعاية الاجتماعية للسكان، سواء كانوا مواطنين أو مهاجرين”، وبعبارة أخرى، لا يوجد تخطيط وإشراف وطني.
وفي بعض المقاطعات، لا ترجع مشكلة الخدمات العامة إلى المهاجرين من بلدان أخرى ولكن بسبب الهجرة بين المقاطعات، فعلى سبيل المثال، تواجه ألبرتا ضغوطا سكانية بسبب الهجرة الداخلية من مقاطعات كندية أخرى.
وطلبت مقاطعة ألبرتا من ترودو تقليل عدد العمال الأجانب المؤقتين والطلاب الدوليين وطالبي اللجوء، لكنها طلبت المهاجرين الاقتصاديين الذين يمكن توظيفهم على أساس مستدام، وتختلف الاحتياجات من مقاطعة إلى أخرى.
وصرح جاتين شوري، وهو محام متخصص في الهجرة من أصل هندي، لوسائل الإعلام أن القيود التي فرضها ترودو على الهجرة ستعيق توحيد الأسر، إذ قد يُسمح لبعض أفراد الأسرة بدخول كندا ولكن ليس آخرين، وأشار شوري إلى أن المهاجرين من جنوب آسيا، الذين ينتقلون كعائلات، سيضطرون إلى مواجهة التفكك الأسري.
وقال ساكا سليمانا ساكا، رئيس جمعية طلاب الدراسات العليا بجامعة كالجاري، إن أكثر من 37% من طلاب الدراسات العليا في الجامعة يتألفون من طلاب دوليين، يبحثون عن وظائف لدفع تكاليف فصولهم الدراسية وسيبحثون عن وظائف للبقاء في كندا على أمل الحصول على الجنسية، وقال إن هذه المجموعة ستتأثر بشدة بالقيود الجديدة.