رغم أنّ أحداث الجنوب تصدّرت الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتواصلة منذ “اشتعال الجبهات”، فإنّ ملفّاتٍ أخرى لا تقلّ أهمية حضرت في حديثه، وعلى رأسها التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، في الذكرى السنوية الأولى للفاجعة التي أصابت كلّ اللبنانيين بالصميم.
في هذا السياق، كان لافتًا الهجوم المباشر والقاسي الذي شنّه السيد نصر الله على قاضي التحقيق طارق البيطار، والذي “تناغم” مع الانتقادات التي سبق أن وجّهها لـ”سلفه” القاضي فادي صوّان قبل أن تتمّ “تنحيته” من منصبه، حيث اتهمه بـ”التحيّز والتسييس”، متسائلاً عن “الدليل” الذي استند إليه لاستدعاء بعض الشخصيات السياسية والأمنية والادّعاء عليها.
وإذ دعا السيد نصر الله قاضي التحقيق إلى عدم اللجوء إلى ما وصفها بـ”الاستنسابية”، دعا عائلات الضحايا إلى “الضغط” عليه لمعرفة الحقيقة، مشدّدًا على أنّ “المطلوب إعادة الملف إلى المسار الطبيعي”، فـ”إما أن يشتغل تقنيًا وبوضوح، وإما على القضاء أن يجد قاضيًا آخر”، في موقفٍ أثار الكثير من علامات الاستفهام حول “مصير” التحقيق برمّته.
“حزب الله” يدافع عن “حلفائه”
بدا كلام السيد نصر الله في هذا الإطار مستغرَبًا بالنسبة إلى كثيرين، فهو “جاهر” ربما بما تفكّر به الطبقة السياسية برمّتها، لكنّها لا تجرؤ على “المجاهرة” به، حتى إنّ الأشخاص الذين تمّ استدعاؤهم للتحقيق يلوذون بالصمت حتى الساعة، أو يعبّرون عن “جهوزيّتهم” للمثول أمامه، كما فعل النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر مثلاً، وإن استندا إلى “حصانتهما” النيابية.
حتى النواب الذي أطلقوا “العريضة” الشهيرة لإحالة الملف إلى المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء، والتي فُسّرت في بعض الأوساط السياسية على أنّها محاولة “لفلفة” للقضيّة، أو بالحدّ الأدنى “كفّ يد” قاضي التحقيق عنها، برّروا الخطوة التي بادروا إليها، من زاوية أنّها تأتي في مسعى منهم لتسهيل التحقيق ودعمه بكلّ السبُل المتاحة، لا التشويش عليه، مؤكّدين وقوفهم إلى جانب القاضي طارق البيطار حتى النهاية.
من هنا، يعتبر كثيرون أنّ “حزب الله” يلعب مرّة أخرى دور “رأس الحربة” في المواجهة، بالنيابة والوكالة عن الطبقة السياسية مجتمعة، في “استنساخ” لمشهد “ثورة السابع عشر من تشرين” حين اختار الأمين العام للحزب أن يتصدّى أيضًا بصدره للمواجهة، حين آثر جميع شركائه وحلفائه الصمت، وهو ما برّره المحسوبون على “الحزب” يومها بحديث عن “أجندة خفيّة” للحراك، وعن محاولاتٍ استغلال لوجع الناس لتحقيق أهداف بعيدة كلّ البعد عن مطالبهم المحقّة.
ماذا يخشى “الحزب”؟
انطلاقًا من هذه النقطة بالتحديد، يتوجّس البعض أن يكون “السيناريو” نفسه هو الذي يتكرّر اليوم، فإذا كان “حزب الله” يدافع ظاهريًا عن حلفائه وشركائه، رافضًا الاتهامات التي يعتبرها “سياسيّة” طالما أنّ “لا دليل” عليها، وباعتبار أنّ نتائج التحقيق الفنّي لم تُنشَر بعد ليطّلع الرأي العام عليها، فهذا لا يعني أنّه ليس لدى “الحزب” هواجس أخرى مرتبطة بمخاوف لديه من “أجندات” تضعه بشكل مباشر في مرمى النار.
لعلّ هذه الهواجس مرتبطة بالتقارير التي يتمّ تداولها بشكل مكثّف في الآونة الأخيرة، والتي تضع “حزب الله” في قفص الاتهام، حيث يُقال إنّه “متورط” في استقدام نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وأنه كان يساهم في نقلها إلى النظام السوري ليستخدمها الأخير في البراميل المتفجرة، التي كان يلجأ إليها في عمليات قصف معارضيه، وإنّ إسرائيل ربما علمت بأمر هذه المواد المخزّنة فقصفتها، وهي “فرضية” تجد صدى واسعًا على أرض الواقع.
ومع أنّ نصر الله ردّ على هذه الاتهامات، واصفًا إياها بـ”الشنيعة والسخيفة”، ووضعها في خانة “الاستهداف السياسي المدفوع”، فإنّ هذه الهواجس لا تبرّر برأي الكثيرين هجومه على قاضي التحقيق، الذي لم يتبنّ أساسًا أيًّا من هذه الاتهامات، كما أنّ مسار التحقيقات والادّعاءات لا يوحي بشيء من هذا القبيل حتى الآن، وأنّ التركيز لا يزال حتى الآن منصبًّا على الفرضية شبه المثبتة، والتي تتحدّث عن فساد وإهمال بالحدّ الأدنى، يتحمّل من تناوبوا على السلطة المسؤوليّة عنه.
يرى المقرّبون من “حزب الله” أنّ كلام السيد نصر الله مبرَّر طالما أنّ هواجس الأخير مشروعة، فيما يعتبر خصومهم أنّ نصر الله كان بغنى عن التصويب المباشر على القاضي البيطار، وصولاً إلى حدّ الدعوة للبحث عن قاضٍ آخر، سيكون الثالث على الملفّ، في أمر سيشكّل “مهزلة قضائية” بامتياز. ولأنّ “حزب الله” هو من رافضي التحقيق الدوليّ أيضًا، ثمّة من يسأل، هل المطلوب قاضٍ “غبّ الطلب” ينفّذ ما يريده السياسيون ولا شيء غير ذلك؟!