لم يحدث ذلك جرَّاء احتكاك قاسٍ مع أحد لاعبي الفريق المنافس، ولم يرتطم بأي شيء، بل سقط كريستيان إريكسن فجأة دون مُقدِّمات، التف حوله اللاعبون من فريقَيْ الدنمارك وفنلندا، خلال المباراة التي أُقيمت على ملعب باركن ستاديون بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن، ضمن منافسات الجولة الأولى للمجموعة الثانية في بطولة كأس الأمم الأوروبية، يورو 2020، المُقامة في يونيو/حزيران الحالي، ليكتشف الجميع على الفور أن الأمر أكبر من مجرد سقوط عادي على الأرض!
كريستيان إريكسن ليس أول مَن يسقط في الملعب، ولن يكون الأخير للأسف، لكنه كان محظوظا بخروجه من الملعب على قيد الحياة، حدث الأمر نفسه مع اللاعب الإنجليزي فابريس موامبا، الذي انهار فجأة في إحدى مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي في 2012، لكن العديد من اللاعبين الآخرين لم يكونوا محظوظين مثل إريكسن وموامبا.
ربما تتذكَّر بوضوح الخبر المحزن لوفاة محمد عبد الوهاب لاعب النادي الأهلى المصري عام 2006، الذي سقط مغشيا عليه أثناء مِران النادي وتوفي لاحقا في المستشفى، وقد تتذكَّر قبله الكاميروني مارك فيفيان فوي الذي توفي عام 2003 أثناء مباراة منتخب بلاده ضد كولومبيا، وغيرهما الكثير من لاعبي الرياضات المختلفة الذين سقطوا فجأة وفقدوا حياتهم دون مُقدِّمات.
قد تتساءل عمّا يجعل شابا رياضيا معافى ذا لياقة بدنية عالية يسقط فجأة وبدون مُقدِّمات أثناء ممارسته للرياضة، بل وقد لا ينجو من هذه السقطة في الكثير من الحالات، إننا هنا أمام ما يُسمى بالموت القلبي المفاجئ (Sudden cardiac death)، أي توقُّف عضلة القلب عن العمل فجأة مما يؤدي إلى الوفاة.
قد يبدو الأمر منطقيا إذا ما وقع لمريض مُسِنٍّ يعاني من ضيق الشرايين التاجية على سبيل المثال، لكن عندما يحدث في شريحة الرياضيين الأقل من 35 عاما، فإن أصابع الاتهام تُشير عادة إلى أمراض القلب الوراثية، وأشهرها على الإطلاق اعتلال عضلة القلب التضخمي (1) (Hypertrophic cardiomyopathy)، إذ إنه مسؤول عن 40% من كل حالات الوفاة المفاجئة للرياضيين.
تكمن مشكلة هذا المرض أنه كامن، لا يُدرِك 80% من المصابين به وجوده إلا حين يُعبِّر عن نفسه بتوقُّف عضلة القلب أثناء أو بعد ممارسة تمرين رياضي عنيف، مما يجعل وقاية الرياضيين من حدوثه أمرا عسيرا، وبالتالي فإن تعلُّم الإسعافات الأولية لهذه الحالة بحرفية شديدة أمرٌ لا غنى عنه، ليس فقط للطاقم الطبي الخاص بالفِرَق الرياضية، بل أيضا لكل أعضاء الفريق، وربما لكل فرد يعيش في المجتمع.
تحدث حالات الموت القلبي المفاجئ دائما بعيدا عن المستشفى، وحيث إن كل دقيقة تمر على المريض تقل معها فرص نجاته بنسبة 10%، فلا ينبغي للشهود انتظار سيارة الإسعاف، بل البدء بعمل الإسعافات الأولية فورا.
لا يمكن أن تتوقَّع متى قد تُصادِف موقفا كهذا، إذ إن 88% من الحالات تحدث داخل المنزل (2) لذا فلا بد من وجود فرد في الأسرة مُلِمٍّ بأساسيات الإنعاش القلبي الرئوي، وفقا لأحدث القواعد الإرشادية الصادرة عن مجلس الإنعاش الأوروبي (3) (European Resuscitation Council)، ولنا في عملية إنقاذ اللاعب الدنماركي خير مثال.
بعد أن سقط إيركسن على الأرض، على الفور بدأت إجراءات الإنقاذ، التي يعرفها ويتدرَّب عليها كل أعضاء الفريق الرياضي بالإضافة إلى الطاقم الطبي للفريق، لذا لم يتأخَّر سيمون كيير قائد المنتخب كثيرا قبل أن يبدأ في فحص زميله المُمدَّد أرضا، ليُقرِّر هل هو مستفيق أم فاقد الوعي أم مصاب بتوقُّف القلب، هذه هي الخطوة الأولى، ويمكنك إدراك ذلك عن طريق تفقُّد مجرى هواء المريض ثم الاستماع لأنفاسه، إن كانت أنفاسه مضطربة وغير منتظمة أو متوقفة تماما فعليك الانتقال للخطوة التالية.
لم يكن كيير وحده في المكان، فبينما انشغل في تطبيق الإسعافات الأولية، أشار الحكم ولاعبون آخرون إلى أن ثمة مشكلة ما، وأُرسِل الطاقم الطبي على الفور، وهي الخطوة الثانية في الإرشادات؛ طلب المساعدة الطبية. إنْ تعرَّضت لهذا الموقف وأنت وحيد، اتصل بالإسعاف فورا، وضع الهاتف بجوارك على وضع المكبر الصوتي حتى تتحدَّث للمُسعف أثناء قيامك بباقي الخطوات. من المفترض أن تستغرق هاتان الخطوتان ثواني معدودة، فبعد أقل من ثلاثين ثانية كان الطاقم الطبي قد وصل إلى مكان سقوط إريكسن لاستكمال الإنعاش.
تحلَّق أفراد المنتخب الدنماركي حول زميلهم والطاقم الطبي حفاظا على خصوصيته، مما منعنا من متابعة المزيد، لكن الخطوة التالية بالضرورة كانت البدء بالإنعاش القلبي الرئوي (Cardiopulmonary resuscitation) والمعروف اختصارا بـ “CPR”.
في تحليل تجميعي ضمَّ 141 دراسة حول نتائج المرضى الذين عانوا من توقُّف القلب خارج المستشفى، جاءت النتائج لتُفيد أن 11.3% ممن تلقّوا إنعاشا رئويا من المارَّة “غير المتخصصين” نجحوا في البقاء على قيد الحياة حتى خروجهم من المستشفى، وهذه النسبة كانت آخذة في الازدياد خلال السنوات الأخيرة (4).
لتنفيذ الإنعاش القلبي الرئوي بطريقة صحيحة عليك أن تضع المريض على ظهره فوق سطح صلب، إن وجدت المريض على فراشه فعليك أن تضعه على الأرض أولا، وتجلس على ركبتيك، ثم تبدأ بالضغط على صدره باستخدام كلتا يديك المتشابكتين، والضغط بكامل ثقلك على الجزء السفلي من عظمة القص مع الحفاظ على ذراعيك مفرودتين.
ضغطات الصدر تعمل بديلا عن القلب المتوقِّف لضخ الدم، فمع كل ضغطة ينطلق الدم من البطينين إلى الشرايين الرئيسية ومنها لباقي الأعضاء، ليصل إليها الأكسجين، ومع ارتفاع يدك عن صدره يمتلئ القلب بالدماء القادمة من الأوردة استعدادا لضخِّها من جديد مع الضغطة التالية.
تُوصي إرشادات مجلس الإنعاش الأوروبي بعمل 30 ضغطة صدر قبل أن تعطي المريض “نَفَس الإنقاذ” (Rescue breath)، أو الاسم الأكثر شهرة “قُبلة الحياة”، لكن لو لم تكن مُدرَّبا تدريبا كافيا، فيمكنك الاكتفاء بعمل ضغطات الصدر باستمرار بمعدل 100-120 ضغطة/الدقيقة لحين وصول المُسعفين. من الضروري أن تتبادل الأدوار مع شخص آخر إذا أُصبت بالإرهاق أثناء قيامك بهذه المهمة.
من المهم أن يستمر القلب في ضخ الدم للأعضاء، ولكن من المهم أيضا أن يحتوي هذا الدم على نسبة من الأكسجين، حتى لا يبدأ المخ في الموت تدريجيا، وقد يحدث هذا بعد 4 دقائق فقط من توقُّف القلب.
بين كل 30 ضغطة صدر عليك أن تتوقَّف لمدة 10 ثوانٍ فقط لإعطاء “نَفَس الإنقاذ”. للقيام بهذا، عليك إمالة رأس المريض للخلف قليلا مع رفع ذقنه عاليا، لجعل ممر الهواء أكثر اتساعا. إن كنت على يمين المريض، ضع يدك اليسرى على جبهة المريض، وبالسبابة والإبهام أغلِق أنفه لمنع تسرُّب الهواء من خلالها، وبيدك الأخرى، افتح فمه مع الحفاظ على وضعية رأسه كما سبق.
خُذ نفسا طبيعيا، ثم ضع شفتيك بإحكام حول شفتَيْ المريض حتى لا يتسرَّب الهواء خارجا، وانفخ الهواء في فمه وراقِب ارتفاع صدره في الوقت نفسه. كرِّر هذه العملية مرتين فقط، ولا تستغرق أكثر من ثانية واحدة لكل نَفَس، وهكذا تكون هذه الخطوة ناجحة. انتظر حتى يهبط صدر المريض، مما يعني أن الهواء غادره، قبل أن تعطيه النَّفَس الثاني بالخطوات نفسها، ثم عُد لاستكمال ضغطات الصدر لثلاثين مرة أخرى.
إن لم يتوفر حولك جهاز تنظيم ضربات القلب الخارجي الآلي (Automated external defibrillators)، ويُسمى اختصارا بمزيل الرجفان، فعليك الاستمرار بالنهج نفسه إلى حين وصول المُسعفين، حاملين معهم الجهاز، ليقوموا بالخطوة الأخيرة.
تعمل عضلة القلب الطبيعية عن طريق توليد نشاط كهربي من خلال ما يُسمى بالعقدة الجيبية الأذينية (Sinoatrial node)، التي تُعَدُّ بمنزلة المولِّد الكهربائي الخاص بالقلب. ينتقل النشاط الكهربي من الأذين الأيمن إلى باقي أجزاء عضلة القلب عن طريق حزم من العضلات المُتخصِّصة لينتج في النهاية انقباض عضلة القلب وضخ الدماء للأعضاء. عندما يحدث الموت القلبي المفاجئ تتوقَّف هذه العقدة عن توليد الكهرباء، والإنعاش القلبي الرئوي نادرا ما يكون كافيا لإعادة تشغيلها، لذا لا بد من الاستعانة بمزيل الرجفان، الذي يعمل على توصيل صدمات كهربائية مُحدَّدة لعضلة القلب لاستعادة نشاطها من جديد.
من المفترض أن تكون الأماكن العامة مُجهَّزة بمثل هذا الجهاز، إذا حدث ووجدته حولك فعليك استعماله فورا، وسيكون الأمر بسيطا نظرا لوجود تعليمات صوتية تعمل تلقائيا بمجرد تشغيله، لذا من الممكن حتى لغير المتخصصين أن يستخدموه.
استمر بعمل الإنعاش القلبي الرئوي أثناء تحضير فرد آخر الجهاز ووضع اللاصق في الأماكن المُخصَّصة له على صدر المريض. سيُملي عليك الجهاز مجموعة من التعليمات ثم قد يُوصي بإعطاء صدمة كهربية تبعا لوضع المريض الحالي. إذا أوصى الجهاز بإعطاء الصدمة، فمن الضروري أن تتأكَّد أن جميع المحيطين بك غير ملامسين للمريض، بمَن فيهم أنت.
عليك الاستمرار باتباع تعليمات الجهاز حتى يستفيق المريض أو تصل سيارة الإسعاف لتولي المهمة، أو أن تستمر بعمل الإنعاش القلبي الرئوي إن لم تجد جهازا قريبا منك. قد يبدأ المريض في التنفُّس بطريقة طبيعية، أو يفتح عينيه، أو يتحرَّك تلقائيا، وعندها تستطيع أن توقف ضغطات الصدر وتلتقط أنفاسك.
إذا لم يستفق المريض ولكنه أصبح يتنفَّس بطريقة طبيعية، فعليك وضعه فيما يُسمى بوضعية الإفاقة (Recovery position)، التي تضمن أن مجرى الهواء سيظل مفتوحا، وأن المريض لن يختنق إذا ما تقيّأ مثلا. في هذه اللحظة تكون قد أدَّيت مهمتك بنجاح، وأنقذت حياة إنسان.
قد تكون دقيقة واحدة هي الفيصل بين حياة أو موت شخص ما، وقد تكون أنت البالغ الوحيد الموجود في مكان الحادث، لذا قد يكون التردُّد مُكلِّفا جدا. حتى لو لم تكن مُدرَّبا تدريبا كافيا، فعمل أي شيء أفضل من لا شيء على الإطلاق، فقط تجنَّب الأخطاء الشهيرة التي يقع فيها الكثيرون، مثل محاولة إجلاس المريض أو إرغامه على شرب المياه، واستمر في اتباع الخطوات التي تعلَّمتها قبل قليل.