يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تحضيراته لسيناريو تنفيذ خطة الضم، التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حين تباينت المواقف داخل الائتلاف الحكومي بشأن توقيت الضم وحجمه، وأبدت المؤسسة الأمنية خشيتها من تقديرات غير متوقعة لتداعيات الضم مع الأردن والجانب الفلسطيني.
ووسط تباين المواقف الإسرائيلية، فإن الأحزاب الصهيونية تجمع على ضرورة ضم الأغوار والمستوطنات، لكنها تختلف في الآليات؛ حيث يدفع حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو لبدء تنفيذ خطة الضم في 1 يوليو/تموز المقبل، في حين يشدد شريكه في الائتلاف الحكومي حزب “أزرق أبيض” الذي يترأسه وزير الدفاع بيني غانتس على ضرورة تنفيذ ذلك بموجب ما تنص عليه ما تعرف بخطة السلام الأميركية للشرق الأوسط.
وفي ظل تحفظ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أي خطوة إسرائيلية أحادية الجانب، حطّ وفد أميركي برئاسة آفي بيركوفيتش مبعوث الرئيس ترامب في تل أبيب، لإجراء مفاوضات مع نتنياهو وغانتس حول مخطط ضم مناطق بالضفة للسيادة الإسرائيلية، علما أن مباحثات البيت الأبيض بحضور السفير ديفيد فريدمان لم تمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ خطة الضم.
انتخابات رابعة
ووسط المواقف الأردنية والفلسطينية الرافضة للضم، والمعارضة التي يبديها الاتحاد الأوروبي، وفي ظل تباين المواقف داخل الحكومة بشأن مسألة الضم؛ يلوح نتنياهو بالذهاب إلى انتخابات رابعة، علما أنه ليس بحاجة إلى غانتس وحزبه للمصادقة على قانون الضم في الكنيست.
لكن الفخ الذي يحاصر نتنياهو -الذي يبحث عن طوق نجاة لتصدير أزماته الداخلية بسبب ملفات الفساد ومحاكمته- يتواجد ضمن البند 28 من اتفاق الائتلاف بين الليكود و”أزرق أبيض”، الذي ينص على أن نتنياهو وغانتس سيعملان باتفاق وتنسيق كامل مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بخطة ترامب، بما في ذلك خرائط الضم التي يجب عرضها على الأميركيين، واعتماد الحوار والتفاهم الدولي حول هذه المسألة.
ووسط الخلافات والتباين في المواقف، تتحضر تل أبيب لأي خطوات قد تقوم بها السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن، هذه المرة على أساس الفصل السابع من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التهديدات للسلام، والسماح بفرض عقوبات على المعتدي (الاحتلال الإسرائيلي) والعمل لمواجهته وتحييده، إلى جانب أن تبادر السلطة الفلسطينية إلى مظاهرات واحتجاجات ومواجهات مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
لعبة السيادة
واستباقا لأي إجراء عملي لتنفيذ خطة الضم، حتى ولو كان جزئيا، أجرى مركز “يروشاليم لدراسة الإستراتيجيات والأمن” ندوة بعنوان “لعبة السيادة” التي تحاكي تنفيذ الضم وتداعياته على إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن والتطورات الميدانية المتوقعة.
وتبين من خلال “لعبة السيادة” مدى تعقيد القرار المتوقع، وآثاره وتداعياته، التي تشمل العالم والمنطقة، حيث لم يتضح كل شيء من خلال المحاكاة التي اعتمدت على وقائع وحقائق على الأرض، حيث إن الكثير من التساؤلات والقضايا بقيت عالقة ومفتوحة ومن دون أجوبة.
وينطلق التصور من قرار حكومة نتنياهو-غانتس بشأن تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، وظهور نتائج هذه الخطوة المثيرة على الفور. ومع ذلك، لا تزال التداعيات والآثار طويلة المدى غامضة ومجهولة، حيث ستجلب هذه الخطوة أثمانا اقتصادية ودولية وأمنية على إسرائيل.
وخلصت الندوة إلى أن ردود الفعل الأولية ستكون قاسية وستتمحور حول تنفيذ عمليات فردية بالضفة ضد المستوطنين وقوات الجيش، وفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل من قبل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل ستكون قادرة على احتواء ذلك.
حل الدولتين
ويرى رئيس مركز “يروشاليم” البروفيسور أفرايم عنبار أنه في المرحلة الأولى قد تتجه الحكومة إلى تطبيق القانون الإسرائيلي على غور الأردن وعلى مناطق إستراتجية ومهمة من ناحية أمنية في منطقة القدس والكتل الاستيطانية “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” ومستوطنة “أرئيل”، وهي المناطق التي تمثل المشروع الاستيطاني بالضفة وتحظى بإجماع وطني بإسرائيل.
ولضمان دعم البيت الأبيض للخطوات الإسرائيلية، ينصح مدير مركز “يروشاليم” حكومة الوحدة الوطنية برئاسة نتنياهو بقبول خطة ترامب بكافة بنودها، ومن ضمنها البند الذي ينص على ضرورة العودة للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية.
وحسب عنبار، فإن خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط هي الطريق الأكثر واقعية للتقدم نحو حل الدولتين، كبديل عملي للمأزق الحالي في المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبالتالي تكمن هنا الأهمية الأساسية لإرساء أسس التنفيذ التدريجي لما تسمى “صفقة القرن”.
ولاحتواء أي تداعيات إقليمية، يعتقد عنبار أن على الحكومة الإسرائيلية الشروع في مفاوضات سرية ومشاورات من وراء الكواليس بكل ما يتعلق بالضم وتحريك خطة ترامب وتكثيف الحوار مع دول خليجية، على أن تكون الحكومة الإسرائيلية على أهبة الاستعداد للقرارات والخطوات والإجراءات القاسية التي قد تشهدها الساحة الأوروبية، وتجنيد دعم الدول الأوروبية الصديقة، التي لديها مصالح إستراتيجية مشتركة بالشرق الأوسط.
الضم المتدرج
من جانبه، يقدر المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل أن نتنياهو يتجه إلى “ضم رمزي” لن يتعدى أجزاء من الكتل الاستيطانية بالضفة والتجمع الاستيطاني “معاليه أدوميم” المتاخمة للقدس، وهي المناطق المتجذرة في الوعي الإسرائيلي وتحظى بإجماع صهيوني.
وأوضح المحلل العسكري أن نتنياهو وخلال اجتماعاته بقادة المستوطنين، بحث معهم فكرة الضم المتدرج على مرحلتين، على أن تكون المرحلة الأولى بضم 30% من مساحة الضفة، وفي المرحلة الثانية ضم الأغوار، بيد أن قادة المستوطنين رفضوا هذا الفكرة، وشككوا في صدق نتنياهو وإمكانية الوفاء بوعده بضم ثان في المستقبل.
وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية، وتواجد مليون عامل ومستخدم في دائرة البطالة في ظل جائحة كورونا، وبدء موجة ثانية للفيروس؛ يبدو أن نتنياهو -كما يقول هرئيل- “بدأ يعد نفسه لذريعة محتملة في الوقت نفسه لتجميد الضم، من خلال توجيه الاتهام ضد غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي”.
لكن المحلل العسكري شكك في جدية تهديدات نتنياهو بالتوجه إلى انتخابات رابعة بسبب الخلافات مع حزب “أزرق-أبيض” على خطة الضم، لافتا إلى أن ما يهم الناخب الإسرائيلي في هذه المرحلة ليس الضم، وإنما جائحة كورونا وتفشيها في البلاد، والأزمة الاقتصادية الهائلة التي تسبب فيها الفيروس.
منعطف إستراتيجي
بدوره، يعتقد الباحث بمركز “بيغن-السادات” للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية اللواء احتياط جرشون هكوهين أن نتنياهو يتواجد في دوامة ومعضلة تطبيق السيادة في غور الأردن والمستوطنات وأجزاء من الضفة، وهي الدوامة التي تضع نتنياهو في المنعطف الإستراتيجي والمركزي والأصعب في تاريخ دولة إسرائيل.
وفي الجانب الأمني، يرى اللواء احتياط أن هناك حاجة إلى توضيح عملي وفوري، أولا وقبل كل شيء حول مسألة السيطرة والتحكم في طرق المرور الرئيسية في الضفة والأغوار، إذ يعد رئيس الوزراء بأنه حتى في تنفيذ خطة ترامب سيظل الجيش الإسرائيلي مسؤولا عن الأمن في المنطقة؛ وعليه فإن تطبيق السيادة -رغم المخاطر- بمثابة فرصة تاريخية للشعب اليهودي.
ويرى أنه حتى المخاطر السياسية والتداعيات الإقليمية والأوروبية لخطوة الضم، ليست أقل من المخاطر الأمنية الكامنة في عدم قدرة إسرائيل على الحفاظ على وجودها الأمني المؤقت في منطقة غور الأردن.
وعن التهديدات الأردنية والسلطة الفلسطينية ومواقف القاهرة من الضم، قال اللواء احتياط “لقد استغلت مصر والأردن معاهدة السلام كأداة لردع إسرائيل عن تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية، مع خلق ديناميكية التعايش في سلام مقابل أثمان، اليوم تقف إسرائيل على مفترق طرق في مواجهة تهديدات من قادة المنطقة، وبالتالي فإن القرار الإسرائيلي المستقل بتعزيز مصالحها السيادية لا يقل أهمية عن إعلان الاستقلال”.